تابعونا

سياسات المناخ في مصر: جهود طموحة في مواجهة تحديات متصاعدة

تتصدر قضايا تغير المناخ أولويات الأجندة العالمية، ومصر، بصفتها دولة نامية وواحدة من أكثر الدول عرضة لآثار تغير المناخ، تدرك جيدًا حجم التحدي والضرورة الملحة للتحرك. لقد تبنت الحكومة المصرية خلال السنوات الماضية سياسات طموحة وخططًا استراتيجية لمواجهة تغير المناخ، سواء من خلال التخفيف من الانبعاثات أو التكيف مع آثاره. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات كبيرة تعترض طريق تحقيق هذه الأهداف.

جهود حكومية متزايدة: من الاستراتيجيات إلى المشاريع

شهدت مصر نقلة نوعية في التعامل مع قضايا المناخ، تجسدت في إطلاق “الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050”. هذه الاستراتيجية الشاملة تحدد مسار البلاد نحو اقتصاد منخفض الكربون وقادر على التكيف مع تغير المناخ، وتتضمن خمسة أهداف رئيسية: تحقيق نمو اقتصادي مستدام، بناء القدرة على التكيف، تحسين حوكمة وإدارة العمل المناخي، تعزيز البحث العلمي ونقل التكنولوجيا، وتحسين البنية التحتية لتمويل المناخ.

وعلى أرض الواقع، بدأت مصر في تنفيذ العديد من المشاريع والمبادرات التي تترجم هذه الاستراتيجية إلى واقع ملموس. من أبرز هذه الجهود:

التوسع في الطاقة المتجددة: حققت مصر طفرة كبيرة في مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، مثل مجمع بنبان للطاقة الشمسية الذي يعد من أكبر المجمعات في العالم. تهدف مصر إلى زيادة حصة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة لتصل إلى 42% بحلول عام 2030، وهو هدف طموح يعكس التزامًا قويًا بالتحول الأخضر.

مشروعات النقل المستدام: يجري العمل على تطوير شبكة مترو الأنفاق والقطار الكهربائي السريع، بالإضافة إلى التوسع في استخدام الحافلات الكهربائية، بهدف تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري في قطاع النقل الذي يعد أحد أكبر مصادر الانبعاثات.

معالجة المياه والصرف الصحي: يتم تنفيذ مشاريع ضخمة لتحلية مياه البحر ومعالجة مياه الصرف الصحي لإعادة استخدامها في الزراعة، وهي خطوات حيوية لتعزيز الأمن المائي في ظل تزايد ندرة المياه وتأثر النيل بتغير المناخ.

الزراعة المستدامة: يتم التركيز على تطوير سلالات المحاصيل المقاومة لتغير المناخ، وتطبيق تقنيات الري الحديثة، وتشجيع الممارسات الزراعية الصديقة للبيئة لضمان الأمن الغذائي في ظل التحديات المناخية.

استضافة قمة المناخ COP27: شكلت استضافة مصر لقمة المناخ COP27 في شرم الشيخ عام 2022 نقطة تحول، حيث سلطت الضوء على جهودها الوطنية والتزامها العالمي، ودفعت بقوة أجندة الخسائر والأضرار، ممثلة صوت الدول النامية المتضررة.

تحديات على الطريق نحو مستقبل أخضر

على الرغم من هذه الجهود المقدرة، تواجه مصر عددًا من التحديات الجوهرية في مسيرتها نحو تحقيق أهدافها المناخية:

فجوة التمويل: يتطلب التحول نحو اقتصاد أخضر استثمارات ضخمة تفوق القدرات التمويلية الذاتية لمصر. لا تزال الحاجة ماسة إلى الدعم المالي والتكنولوجي من الدول المتقدمة والجهات المانحة لتنفيذ المشاريع الطموحة، خاصة في مجال التكيف مع آثار تغير المناخ.

التأثيرات المباشرة لتغير المناخ: تواجه مصر تحديات مباشرة من ارتفاع منسوب سطح البحر الذي يهدد المناطق الساحلية والدلتا، وندرة المياه، وتأثر الإنتاج الزراعي بسبب التغيرات في درجات الحرارة وأنماط الأمطار، والظواهر الجوية المتطرفة. هذه الآثار تزيد من الضغوط على الموارد وتتطلب استثمارات أكبر في التكيف.

التحديات الاقتصادية والاجتماعية: يمكن أن تؤثر بعض إجراءات التحول الأخضر على بعض القطاعات الاقتصادية التي تعتمد على الوقود الأحفوري، مما يستدعي خططًا دقيقة لضمان الانتقال العادل ودعم الفئات المتأثرة. كما أن رفع الوعي العام وتغيير سلوكيات الاستهلاك يتطلبان جهودًا مستمرة.

التحديات التنظيمية والتنسيقية: على الرغم من وجود استراتيجية وطنية، فإن ضمان التنسيق الفعال بين الوزارات والهيئات الحكومية المختلفة، وتبسيط الإجراءات التنظيمية، يمثل تحديًا لضمان تنفيذ سريع وفعال للمشاريع المناخية.

تواصل مصر مساعيها الحثيثة لمواجهة تحديات تغير المناخ، مدفوعة بوعي متزايد بأهمية العمل المناخي كجزء لا يتجزأ من التنمية المستدامة. وبينما تبرز الإنجازات المحققة في الطاقة المتجددة والبنية التحتية، يبقى التمويل، والتأقلم مع الآثار المتزايدة، والتحديات الاجتماعية والاقتصادية، محاور رئيسية تتطلب المزيد من الجهد والتعاون الدولي. إن مستقبل مصر، وازدهارها، يرتبط ارتباطًا وثيقًا بمدى قدرتها على التغلب على هذه التحديات وتحقيق أهدافها المناخية الطموحة.

 

شارك :

Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp