زراعة الأشجار: هل هي حل سحري أم مجرد مسكن؟


في خضمّ السعي العالمي لمكافحة تغير المناخ، غالبًا ما تبرز زراعة الأشجار كحلٍ بسيط ومُغرٍ لخفض البصمة الكربونية. فما أروع أن نزرع شجرة ونشعر بأننا نُصلح ما أفسدته انبعاثاتنا! لكن هل مبادرات “تعويض الكربون” من خلال الأشجار هي حقًا الحل السحري الذي نأمل به، أم أنها مجرد مسكّن قد يُلهينا عن الجذور الحقيقية للمشكلة؟

سحر الأشجار: لماذا يُنظر إليها كحل؟
تتمتع الأشجار بقدرة طبيعية مذهلة على امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي عبر عملية التمثيل الضوئي، وتحويله إلى كربون عضوي يُخزّن في أخشابها وجذورها وتربتها. هذه الخاصية البيولوجية تجعلها مرشحًا مثاليًا لتعويض الانبعاثات الناتجة عن الأنشطة البشرية.

تُقدم مبادرات تعويض الكربون (Carbon Offsetting) للأفراد والشركات فرصة “لشراء” أرصدة كربونية، غالبًا ما تكون مرتبطة بمشاريع زراعة الأشجار أو حماية الغابات، لتعويض الانبعاثات التي لا يمكنهم تجنبها. يبدو الأمر كصفقة رابحة للجميع: الشركات تُظهر مسؤوليتها البيئية، والأفراد يشعرون بالرضا، والكوكب يستفيد من المزيد من الأشجار.

الوجه الآخر للعملة: هل هو مسكن؟
بينما لا يمكن إنكار أهمية الأشجار في النظام البيئي وقدرتها على امتصاص الكربون، فإن الاعتماد الكلي على زراعة الأشجار كحل “سحري” لمشكلة البصمة الكربونية يواجه العديد من التحديات والانتقادات:

ليست بديلاً عن خفض الانبعاثات:
الاعتراض الأبرز هو أن زراعة الأشجار لا يجب أن تكون ذريعة لتجنب تقليل الانبعاثات من المصدر. التركيز على “تعويض” الكربون قد يُعطي الشركات والأفراد شعورًا زائفًا بالأمان، مما يؤخر التحول الجذري نحو مصادر الطاقة المتجددة، كفاءة الطاقة، وتغيير الأنماط الاستهلاكية. يجب أن يكون التخفيض هو الأولوية القصوى، والتعويض يأتي كخطوة تكميلية.

الزمن المستغرق والفعالية:
تحتاج الأشجار لعقود لتنمو وتصبح فعّالة في امتصاص كميات كبيرة من الكربون. بينما الانبعاثات الحالية تستمر في التراكم بوتيرة سريعة. نحن بحاجة إلى حلول فورية ومستدامة لخفض الانبعاثات الآن، وليس الاعتماد على امتصاص مستقبلي قد لا يكون كافيًا.

تحديات زراعة الغابات:
ليست كل مشاريع زراعة الأشجار ناجحة بالضرورة. تتطلب الغابات الناجحة أنواعًا مناسبة من الأشجار، إدارة صحيحة، حماية من الحرائق والآفات والأمراض، وتوفر للمياه. قد تفشل بعض المشاريع، أو تكون زراعة الأنواع الخاطئة في المكان الخطأ ذات آثار بيئية سلبية، مثل استنزاف المياه الجوفية.

ديمومة التخزين:
الكربون المخزّن في الأشجار ليس دائمًا. يمكن أن يُطلق مرة أخرى إلى الغلاف الجوي بفعل حرائق الغابات، قطع الأشجار، أو الآفات. لكي تكون مشاريع تعويض الكربون فعالة، يجب ضمان حماية هذه الغابات واستدامتها لعقود طويلة.

المبالغة في تقدير الامتصاص:
هناك جدل حول دقة حسابات كمية الكربون التي يمكن أن تمتصها الأشجار. بعض الشركات قد تبالغ في تقدير هذه الأرقام، مما يؤدي إلى “غسل أخضر” (Greenwashing) حيث تبدو الشركة أكثر صداقة للبيئة مما هي عليه في الواقع.

التوازن هو الحل
زراعة الأشجار هي جزء لا يتجزأ من حل أزمة المناخ، لكنها ليست الحل الوحيد ولا يجب أن تكون عذرًا لعدم خفض الانبعاثات. يمكن أن تكون مبادرات زراعة الأشجار فعّالة للغاية عندما:

تُنفذ كجزء من استراتيجية شاملة: تهدف إلى تقليل الانبعاثات بشكل جذري أولاً.

تُركز على استعادة النظم البيئية المتدهورة: بدلاً من زراعة أشجار أحادية النوع في مناطق غير مناسبة.

تُدار بشكل مستدام وعلى المدى الطويل: لضمان استمرار تخزين الكربون والحفاظ على التنوع البيولوجي.

تُشرك المجتمعات المحلية: لضمان استدامة المشاريع وحمايتها.

في الختام، زراعة الأشجار أداة قوية في معركتنا ضد تغير المناخ، لكنها ليست رصاصة سحرية. يجب أن تُنظر إليها كجزء من نهج متكامل يتضمن التخفيض الجذري للانبعاثات، التحول إلى الطاقة المتجددة، وتعزيز كفاءة استخدام الموارد. فالمستقبل الأخضر لا يُبنى على مسكنات، بل على تغيير حقيقي وجذري في طريقة عيشنا وعملنا.

شارك :

Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp