أحدث الاخبار

تابعونا

التغير المناخي وسوق العمل.. كيف يفقدنا الاحتباس الحراري وظائفنا؟

يؤثر التغيّر المناخي وارتفاع حرارة الأرض في حياة أكثر من 7 مليارات نسمة يعيشون على الكوكب الأزرق. إذ إنه في الوقت الذي غالبا ما تجري الإشارة فيه إلى العواقب البيئية لأزمة الاحتباس الحراري، مثل ارتفاع درجات الحرارة وذوبان الجليد. يوجد ما يمكن أن يطلق عليه “الوجه غير البيئي” للأزمة وهو الأكثر قسوة، لكونه يمس المصالح الاقتصادية، لكنه يغيب بشكل كبير عن صناع السياسات حول العالم.

ذلك الغياب لا يمنع أن يتسبب التغير المناخي في حدوث خلل في توزيع  الموارد الطبيعية وتراجع مستويات الدخول خاصة لمحدودي الدخل والفقراء. بالإضافة إلى تقلبات سوق العمل. ويمكن القول إن التغيرات تؤثر بشكل أو بآخر في خريطة سوق العمل حول العالم بالإضافة إلى مستقبل العمال ومنظماتهم النقابية.

وتقدر خسائر التغير المناخي ما بين 5% و20% من إجمالي الناتج العالمي، لتكون بذلك أكبر من خسائر الحربين العالميتين الأولى والثانية، مضافا إليها أزمة الكساد الكبير مطلع القرن العشرين. تلك الأرقام بحسب ما ورد في تقرير نيكولاس إستيرن، أستاذ المالية العامة والتنمية في بريطانيا، والمنشور تحت عنوان “استعراض لاقتصاديات تغيّر المناخ”.

القطاع الأكثر تضررا

من الصعب معرفة تأثير تغير المناخ في مختلف الأنشطة الاقتصادية على نحو دقيق،  إلا أن الصناعات التي توصف بـ”الكبيرة” مثل الأسمنت، والمعادن، والمواد الكيميائية، والزجاج وصناعة السيارات من القطاعات الأكثر تأثرا بالتغير المناخي. نظرا لكونها المسبب الأول للانبعاثات الضارة.

وبحسب دراسة حديثة نشرتها مجلة “وان إيرث One Earth” يعمل حاليا في قطاع الطاقة بشكل مباشر نحو 18 مليون شخص حول العالم، منهم 12.6 مليون في صناعات الوقود الأحفوري، و4.6 مليون في صناعات الطاقة المتجددة، و800 ألف في الطاقة النووية، جزء كبير منهم مهدد بفقدان وظائفه، بسبب تلك التغيرات المناخية.

خسائر الطبقة العاملة

وقالت منظمة العمل الدولية، وتحت عنوان “العمل علي كوكب أكثر دفئا” إن الخسائر العالمية في الإنتاجية، بسبب التغير المناخي، ستؤدي لفقدان 80 مليون عامل فرصة عملهم الدائمة من الآن وحتى عام 2030. أو ما يعادل فقدان 11 مليون عامل وظائفهم سنويا خلال أقل من 8 سنوات.

قطاعات متضررة

يعمل نحو  940 مليون شخص في قطاع الزراعة، ويتوقع أن تبلغ خسائره 60% من إجمالي ساعات العمل بسبب الحر الشديد بحلول عام 2030. بينما سيتأثر العاملون في قطاع البناء ليخسر 19% من ساعات العمل ويشمل التأثير أيضا قطاعات الصحة، وجمع القمامة، والطوارئ، والبنية التحتية، والنقل.

التحول العادل

تم تحديد تغير المناخ على أنه مشكلة عالمية منذ مطلع السبعينيات، وكان مؤتمر ستوكهولم 1972 أول مؤتمر عالمي للأمم المتحدة بشأن قضية البيئة. بعدها توالى الاهتمام الأممي بقضية المناخ، ويعد من أهم الفاعليات مؤتمر باريس للمناخ 2015 والذي طرح خلاله المساعدة المالية لدول الجنوب لمواجهة التغيرات المناخية. كما وعدت الدول الغنية بتقديم مئة مليار دولار سنويا بدءا من 2020، لمساعدة الدول النامية على تمويل انتقالها إلى الطاقات النظيفة.

كذلك طرحت اتفاق باريس للمناخ “ضرورة تحقيق التحوُّل العادل للقوى العاملة، وإيجاد العمل الكريم والوظائف اللائقة”. بينما في مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ الذي انعقد عام 2018 في بولندا، تبنّت الدول إعلانًا حول التحوُّل العادل للتأكد من عدم تخلف أحد عن الركب في الاقتصاد الأخضر الجديد.

العدالة الاجتماعية

لم تحظ الطبقة العاملة المتكبدة الخسارة الأكبر من جراء التغير المناخي بالاهتمام الكافي، رغم  تبني مؤتمر الأمم المتحدة 2018 إعلانا حول التحول العادل للاقتصاد الأخضر. إذ يواجه العمال حول العالم مصير البطالة في ظل توقعات باختفاء ملايين الوظائف، بسبب التغير المناخي. كما سيحتاج العمال إلى التدريب، وفرص عمل جديدة، وقد يضطر بعضهم لتغيير مكان إقامته. كما من المتوقع  عام 2030 أن يتم إعادة تصميم مناطق وصناعات برمتها، نظرا لاعتمادها على الوقود الأحفوري .وفق تقرير منظمة العمل الدولية ” العمل في مناخ متغير – المبادرة الخضراء“.

يرصد تقرير “الوظائف الخضراء نحو عمل لائق في عالم مستدام” الآثار السلبية لتغير المناخ  خاصة على عمال الزراعة والسياحة. كما يشير التقرير إلى عدم توافر الأموال اللازمة لتصميم التدريبات المؤهلة للعمال عند التحول للوظائف الخضراء.

الاقتصاد الأخضر

سعت المؤسسات الدولية المالية لتبني سياسات استباقية لحماية المناخ والحفاظ على البيئة علي أمل أن  تخلق بالفعل عدداً من فرص العمل أكبر بكثير مما يخلقه النمو المعتاد للأعمال، وكان المستهدف خلق  60 مليون فرصة عمل إضافية بحلول عام 2030، وأطلقت مجموعة البنك الدولي استراتيجية تغير المناخ لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهى تتضمن  ضخ استثمارات قيمتها 10 مليارات دولار، خلال 5 سنوات

كما وافق مجلس إدارة بنك الاستثمار الأوروبي على تمويل بقيمة 15.1مليار دولار ستخصص لمشاريع تستهدف حماية المجتمعات الضعيفة من تأثير تغير المناخ، لكن لم تتطرق مجموعة البنك الدولي وبنك الاستثمار الأوروبي لمشروعات إعادة تأهيل أو تدريب العمالة المتضررة من فقد الوظائف نتاج خطة الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر .

عمال مصر

يعتبر القطاع الزراعي في مصر هو الأكثر تأثرا بالتغيرات المناخية،  وتشير دراسة  “تغير المناخ والأزمات الزراعية المصرية”  إلى أن هناك آثارا مدمرة للتغير المناخي، أبرزها  غرق الدلتا، وارتفاع مستوى سطح البحر ليغمر مساحة لا تقل عن 4.1 مليون فدان من أراضي الدلتا وهو ما يمثل  25% من إجمالي  الأراضي الزراعية.

سيترك ذلك آثاره على العمالة الزراعية والتي تمثل نحو   27.27 % من إجمالى قوة العمل.

كما أن التراجع المتوقع في عدد الوظائف في القطاعات الصناعية عالميا نتيجة مخططات التحول إلى الاقتصاد الأخضر سوف يشمل تراجعا بالمثل في عدد الوظائف في القطاعات الصناعية المصرية، كما  سيقلل بالضرورة من عدد أعضاء النقابات.

العمال والقمة

حسب برنامج قمة المناخ في شرم الشيخ 2022، لا توجد مساحة لمناقشة التدابير اللازمة حيال تراجع الوظائف بسبب التغير المناخي. كما تركز الاهتمام حول الحد من انبعاثات الكربون، بينما لم يدرج في المؤتمر مسألة التحول العادل الذي تم إقراره بمؤتمر المناخ 2018.

غياب تمثيل العمال

نظرا لتأثيرات بالغة على العمال وقطاع الزراعة والصناعة فإنه من المهم إفساح دور أكبر لتمثيل التنظيمات النقابية في قمم المناخ، ليكونوا شركاء وتسمع أصواتهم حين تكتب  السياسات وتعقد  الاتفاقيات الخاصة بالتغير المناخي.

لكن مؤتمر المناخ لم يفسح مكانا لصوت العمال، رغم تخصيص جلسة نقاشية للمجتمع المدني ضمن أعمال تحضيرية للمؤتر، عقدت في الفترة من 2 إلى 4 سبتمبر، وخلصت إلى عدة توصيات لم تحظ الطبقة العاملة وتنظيماتها النقابية إلا بتوصية واحدة تتحدث عن أهمية التواصل مع العمال حول  الأضرار والخسائر التي سيتعرضون لها نتيجة التغيرات المناخية.

يأتي ذلك رغم نجاح مصر في إبريل/نيسان الماضي في اعتماد مشروع قرار بالأمم المتحدة عن تغير المناخ وحقوق العمال، وهو ما صرح به السفير أحمد إيهاب جمال الدين مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة. وأوضح: “القرار أبرز أن ظاهرة تغير المناخ تشكل تهديدا وجوديا للجميع، ولها بالفعل تأثير سلبى على التمتع الكامل والفعال بحقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في العمل. ومن ثم أهمية توفير الحماية الاجتماعية للعمال والمجتمعات المتأثرة بتغير المناخ، من خلال استثمارات أوسع تهدف إلى خلق فرص اقتصادية بديلة، فضلاً عن توفير التدريب المناسب ومساعدة الباحثين عن عمل”.

مشروع  القرار طالب مجلس حقوق الإنسان وقبل استضافة مصر الدورة 27 لقمة المناخ في شرم الشيخ، ببحث تأثير تغير المُناخ على الحق فى العمل، لكن ذلك لم  يحدث حتى الآن.

ما يمكن تقديمه للعمال

تحتاج مصر والدول النامية لقاعدة بيانات تشمل القطاعات الاقتصادية المتأثرة بتداعيات التغير المناخي، وتوفير دراسات علمية توضح الفرص التي توفرها مرحلة الانتقال العادل من خلال الوظائف الجديدة المستحدثة، وسبل معالجة أزمة العمالة في ظل التغير المناخي. كما تحتاج النقابات العمالية دعما متخصصا فيما يتعلق بعملية تدريب وإعادة تأهيل العمال للوظائف الخضراء.

ومع التغيرات المناخية هناك ضرورة لإعادة النظر بنظم السلامة والصحة المهنية وتطوير برامجها، ومع تاثيرات كما فقد العمل لابد من تطوير منظومة الحماية الاجتماعية لتوفير الدعم اللازم للعمال الذين يفقدون وظائفهم في القطاعات الاقتصادية المتضررة من آثار التغير المناخي. كذلك ستحتاج الحكومات مشاركة النقابات العمالية في برامج وخطط الحكومة المتعلقة بمواجهة الظاهرة.

شارك :

Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *