أحدث الاخبار

تابعونا

 اكتشاف حوت بدائي من المغرب يرجع عمره إلى 40 مليون سنة

تتميز الحيتان الحديثة بأجسامها الانسيابية وزعانفها التي تؤهلها للسباحة مثل الأسماك.. لكنها لا تزال محتفظةً بصفات الثدييات.. فهي تلد وترضع صغارها.. ولها أنوف تساعدها على استنشاق الهواء وتنقيته مستخدمةً رئتيها.

تنطق شواهد عدة بأن للحيتان باعًا طويلًا في تاريخها التطوري، امتد إلى ملايين السنين، لتنتقل الحيتانيات (المجموعة التصنيفية التي تنتمي إليها الحيتان) القديمة من كونها كائنًا بريًّا يمشي على أربع إلى الحيتان الحديثة التي تجوب بسباحة ماهرة محيطات العصر الحالي، اختلافات دراماتيكية في الجسد والسلوك جعلتها قادرةً على سكن حياة البحار، وبين الحياة على اليابسة وفي الماء، ثمة مراحل انتقالية كثيرة ما زال العلماء إلى الآن يحاولون سبر أغوارها.

أنتاسيتس حوت المغرب الجديد

وفق نتائج ورقة بحثية حديثة نُشرت في مجلة بلوس وان (PLOS ONE) عثر العلماء على جمجمة وهيكل عظمي جزئي لنوع وجنس جديد من الحيتان التي عاشت في المغرب منذ حوالي 40 مليون سنة، أطلقوا عليه أنتاسيتس (Antaecetus)، تعود التسمية إلى الأساطير اليونانية القديمة، إذ إن (أنتاي) -الجزء الأول من الاسم- يرجع إلى ابنٍ نصف عملاق، أبواه هما إله البحر بوسيدون، وإلهة الأرض غايا؛ أما الجزء الثاني من الاسم “سيتس” فمعناه باللاتينية (حوت).

وتُظهر نتائج الدراسة أن هذا الحوت يُعد بمنزلة مرحلة انتقالية بين أقدم الحيتان وأكثرها حداثة، مما جعل الباحثين يضعونه في عائلة جديدة تسمى “الباكيستينيا”، وتضم الحوت الجديد وحيتانًا أخرى من أفريقيا وأمريكا وأوروبا، ويقترح الباحثون أن هذا النوع الجديد عاش أنماط حياة شبيهة بخراف البحر، جدير بالذكر أيضًا أن مثل هذه الحيتان اكتُشفت من قبل في الرواسب المصرية، كما صرَّح فيليب جينجريتش -عالِم الحفريات بجامعة ميتشجن الأمريكية، وأول مَن أرسى النظريات حول تطور الحيتان، والمؤلف الرئيسي للبحث- في حديثه إلى “للعلم”.

يقول “جنجريتش”: “لقد فاجأني مدى انتشار حيتان الباكيستينيا جغرافيًّا، في رواسب العصر الأيوسيني المتأخر في أوروبا وأمريكا الشمالية وشمال إفريقيا، فعندما وجدنا عينة من باكستيد أنتاسيتس الجديد منذ 15 عامًا في الفيوم، لم أكن أدرك وقتها ماهية هذا الحوت، إلى أن جرى تعريفه الآن من المغرب، موضحًا أنه من الغريب أيضًا أن أنتاسيتوس تعود معرفته أيضًا إلى حفريات مكتشَفة في جبل المقطم في مصر، منذ أكثر من 100 عام”.

وفي هذا الصدد، يقول عبد الله جوهر -الباحث بفريق سلام-لاب بجامعة المنصورة المصرية- في حديثه إلى “للعلم”: “يقدم البحث عيناتٍ شبه مكتملة للفقرات والجمجمة، ما يساعد في إبراز صفات جديدة تميزت بها الحيتان القديمة”.

كيف سكنت الحيتان البحار؟

تتميز الحيتان الحديثة بأجسامها الانسيابية وزعانفها التي تؤهلها للسباحة مثل الأسماك، لكنها لا تزال محتفظةً بصفاتها كمجموعة من الثدييات، فهي تلد وترضع صغارها، ولها أنوف تعلو قمة رأسها تساعدها على استنشاق الهواء وتنقيته مستخدمةً رئتيها؛ فمنذ حوالي 50 مليون عام مضت، بدأت مجموعة من الحيوانات الحية التي تعيش على اليابسة في قضاء وقتها على طول ضفاف الشواطئ، مما أتاح لها الغطس بسرعة في الماء لتجنُّب أي مخاطر، وبمرور الوقت، قرروا قضاء المزيد من حياتهم في المياه الضحلة، إلى أن انتهى بهم المطاف بحياة مائية كاملة لا يستطيعون العيش من دونها، بدأت أجساد أسلاف الحيتان القديمة في التكيف مع البيئة الجديدة؛ إذ تحولت أرجلها الأمامية إلى زعانف، وضمرت أرجلها الخلفية في الحجم، أصبحت ذيولها أكبر وأقوى لدعم السباحة، ولكن قُبيل موعد هذا التطور مباشرةً نشأت عائلة من الحيتان القديمة تُعرف باسم الباسيلوصوريدات (Basilosauridae)، ومنها حوت الفيوم الشهير “باسيلوصورس إيزيس”.

كانت الباسيلوصوريدات أول الحيتانيات التي عاشت أنماط حياة مائية بالكامل، لكنها ما زالت محتفظةً بأطرافها، تندرج العائلة الجديدة الباكيستينيا ضمن عائلة الباسيلوصورات، إلا أن لها بعض الصفات المميزة عن بقية الباسيلوصوريدات، ما أثار انتباه العلماء لإعادة النظر حول طبيعة معيشة الباسيلوصورات في العموم، يقول “جوهر”: يقدم البحث صفات تشريحية وبيولوجية جديدة لهذه المجموعة من الحيتان، مما يُسهم في فهم التنوع البيولوجي للحيتان عمومًا والباسيلوصوريدات خاصة”.

حيتان مثل عرائس البحر

للحيتان وعرائس البحر نمط معيشة مائي خلافًا لبقية الثدييات، ومع أن الحيتان الحالية طورت قدرتها على السباحة بطريقة لا تُقارن على الإطلاق بعرائس البحر، إلا أن الحيتان القديمة -وخصوصًا العائلة الجديدة- تكاد تتحرك ببطء تحت المياه بحركات تشبه عرائس البحر؛ فقد أدت بعض الصفات التشريحية المكتشَفة حديثًا لحوت المغرب الجديد -مثل العظام الكثيفة شديدة الكثافة- إلى فقده لقدرته على المناورة لمطاردة الفرائس.

ويقترح الباحثون أن هذه الحيتان كانت بطيئةً للغاية في سباحتها القريبة من القاع على الشواطئ، وتتغذى على الأسماك الصغيرة والقشريات -نظرًا لطبيعة أسنانها- لا على النباتات مثل عرائس البحر، لكنها تنصب الكمائن متربصةً في موضعها لأي أسماك أو لافقاريات آتية عوضًا عن السباحة السريعة والمطاردة.

“درس الباحثون العينات المكتشَفة من المغرب في ثلاث كتل صخرية مع بعض العظام المكتشَفة من قبل، واتضح لهم أن عائلة الباكيستينيا الجديدة تختلف في أبعاد فقراتها وشكل الأشواك العصبية وعظام الحوض والضلوع، إذ أصبح جليًّا لهم زيادة ثخانة عظام الضلوع والفقرات عن بقية الحيتان، ما جعلها أقرب إلى عرائس البحر في الشكل، ومن ثم في معيشتها” وفق “جوهر” الذي يوضح: “تتميز الباكيستينيا أيضًا بزيادة نسبة الغضاريف المتصلة بين الضلوع والفقرات، تسمح هذه الغضاريف بتمدد القفص الصدري، وبالتالي تمتلئ الرئة بكميات وفيرة من الأكسجين، مما يعطيها القدرة على التحكم بمستويات الغطس والظهور للسطح”.

ووفق جوهر، “تحل هذه الدراسة الكثير من اللغط العلمي والتصنيفي في توظيف العينات المكتشفة سابقًا، إذ إن لها تاريخًا استمر أكثر من 100 عام من عدم الثبات التصنيفي”، وهو ما يعقِّب عليه “جينجريتش” بقوله: “يوسِّع هذا الاكتشاف فهمنا للتنوع البيئي للحيتان المبكرة، التي شملت الباكيستينيا في عصر الأيوسين، مع نمط حياة بطيء للغوص في بحر ضحل مثل عرائس البحر اليوم، ولكنها تتغذى على فرائسها من الحيوانات بدلًا من الأعشاب البحرية”.

شارك :

Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *