أحدث الاخبار

تابعونا

 أول منظومة لإدارة الكوارث البيئية في أفريقيا.. من المبادرة إلى التنفيذ

تقديرات مكتب الحد من مخاطر الكوارث، كشفت عن أن الأحداث المرتبطة بالتغيرات المناخية التي شهدتها مناطق مختلفة من العالم في عام 2021، أدت إلى تكبُّد الاقتصاد العالمي خسائر تتجاوز 170 مليار دولار أمريكي

من دون اتخاذ إجراءات أكثر طموحًا، فإن الآثار المادية والاجتماعية والاقتصادية لتغير المناخ ستكون مدمرةً على نحوٍ متزايد”، تحذير جديد أطلقته المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO)، ضمن تقرير يعتبر أن العالم يسير في «الاتجاه الخطأ» فيما يتعلق بطموح هدف «اتفاق باريس» بالعمل على تجنُّب ارتفاع حرارة الأرض بما يتجاوز 1.5 درجة مئوية عما كانت عليه قبل الثورة الصناعية.

وبينما أظهر تقرير «متحدون في العلوم»، الصادر عن المنظمة التابعة للأمم المتحدة، أن تركيزات غازات الاحتباس الحراري مستمرة في الارتفاع إلى مستويات قياسية، فقد دعا إلى ضرورة أن تكون التعهدات بخفض الانبعاثات بحلول عام 2030 أعلى بمقدار 7 مرات عما هي عليه الآن، كما حذر التقرير من أنه في ظل زيادة الانبعاثات، لا يمكن استبعاد بلوغ النظام المناخي للأرض «نقطة اللاعودة».

في إطار تعليقه على ذلك التقرير، قال بيتري تالاس، الأمين العام للمنظمة: إن العديد من ظواهر الطقس المتطرفة زادت وتيرتها، وأصبحت أكثر حدة، وأضاف أنه “من المهم الآن أكثر من أي وقت مضى أن نوسع نطاق العمل بشأن نظم الإنذار المبكر، لبناء القدرة على الصمود في وجه المخاطر المناخية الحالية والمستقبلية، في المجتمعات الضعيفة”.

توسيع نطاق نظم الإنذار المبكر

وتقود منظمة (WMO) خطة تحرك دعا إليها الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، لتوفير خدمات الإنذار المبكر لجميع الأشخاص، في غضون 5 سنوات، باعتبار أن ثلث سكان العالم، ولا سيما في أقل البلدان نموًّا والدول الجزرية الصغيرة، غير مشمولين بنظام الإنذار المبكر، مشيرًا إلى أن “الحالة في أفريقيا أدهى وأمر، إذ تبلغ نسبة الذين لا تشملهم هذه النظم 60%”.

وأظهر تقرير التقييم العالمي لعام 2022، الصادر عن مكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث (UNDRR)، حدوث ما بين 350 و500 كارثة يتراوح حجمها بين متوسطة وكبيرة، في كل عام على مدى العقدين الماضيين، ومن المتوقع أن يصل عدد الكوارث ذات البُعد البيئي بحلول عام 2030 إلى 560 حالة سنويًّا، أي بمتوسط 1.5 كارثة في اليوم الواحد.

تقديرات مكتب الحد من مخاطر الكوارث كشفت عن أن الأحداث المرتبطة بالتغيرات المناخية، التي شهدتها مناطق مختلفة من العالم في عام 2021، أدت إلى تكبُّد الاقتصاد العالمي خسائر تتجاوز 170 مليار دولار، بزيادة قدرها 20 مليار دولار عن تقديرات العام السابق، وسط تحذيرات من أن الخسائر الناجمة عن الكوارث البيئية في القارة الأفريقية تقترب من نصف تريليون دولار سنويًّا.

أفريقيا تتكبد 415 مليار دولار سنويًّا

وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية في الحكومة المصرية، الدكتورة هالة السعيد، قالت في كلمتها في أثناء إحدى الفعاليات الجانبية على هامش مؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ (COP27): إن تكلفة الأضرار الهيكلية التي تسببها الكوارث الطبيعية في أفريقيا قد ترتفع إلى 415 مليار دولار سنويًّا بحلول عام 2030، وذلك إذا لم يُتخَذ «إجراء سريع» لمنع حدوث ذلك.

وعرضت منظمة «كريستيان أيد»، وهي هيئة خيرية بريطانية، خلال إحدى فعاليات مؤتمر قمة المناخ في شرم الشيخ، مجموعةً من السيناريوهات لما يمكن أن يصبح عليه الوضع في أفريقيا، سواء في حالة ارتفاع حرارة الأرض إلى 2.7 درجة مئوية بحلول نهاية القرن الحالي، أو حتى إذا نجحت بلدان العالم في تحقيق هدف اتفاق باريس، بالإبقاء على ارتفاع الحرارة دون 1.5 درجة مئوية.

أشارت تقديرات المنظمة إلى أنه في حالة ارتفاع الحرارة بمقدار 2.7 درجة، سوف تعاني الدول الأفريقية من تراجُع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة -20% في عام 2050، ترتفع إلى -64% بنهاية القرن الحالي، أما في حالة الحفاظ على معدل التدفئة العالمية عند 1.5 درجة، فسوف تعاني البلدان الأفريقية انخفاضًا في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة -14% عام 2050، ترتفع إلى -34% بحلول عام 2100.

مبادرة مصرية لدعم جاهزية أفريقيا

وضمن مجموعة مبادرات أطلقتها مصر خلال المؤتمر، تم الإعلان عن مبادرة لإنشاء منظومة متعددة الأطراف لإدارة الأزمات والكوارث ذات البُعد البيئي في القارة الأفريقية، خلال جلسة نظمها قطاع إدارة الأزمات والكوارث والحد من المخاطر بمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، التابع لرئاسة مجلس الوزراء، في الجناح المصري بالمؤتمر.

اللواء محمد عبد المقصود، رئيس قطاع إدارة الأزمات والكوارث والحد من المخاطر برئاسة مجلس الوزراء، أكد أن المبادرة تأتي اتساقًا مع الرؤية المصرية لبناء منظومة إقليمية للحد من مخاطر الكوارث البيئية في القارة الأفريقية، ترتكز على إطار مؤسسي متكامل بين الدول الأفريقية، وفي ضوء دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي للربط بين اتفاقيات تغير المناخ والتصحر والتنوع البيولوجي.

وأضاف في تصريحات لـ«للعلم» أن المبادرة تهدف إلى تنسيق جهود الدول الأفريقية، لرصد ومواجهة ظواهر التغيرات المناخية، وما يستتبعها من تداعيات، مثل الجفاف، والتصحر، وفقدان التنوع البيولوجي، وتأثير ذلك على خطط التنمية، سواء على المستوى الوطني، أو على المستوى الإقليمي، خاصةً وأن القارة الأفريقية من أكثر المناطق تعرُّضًا لتأثيرات التغيرات المناخية.

التأثيرات المحتملة للكوارث البيئية

ووفق «عبد المقصود»، فإن التأثيرات المحتملة للمخاطر ذات الأبعاد البيئية، التي قد تتعرض لها بعض الدول الأفريقية، قد ينجم عنها خسائر في الأرواح بالمناطق المتضررة، وتدهور الأراضي الزراعية، وانعدام الأمن الغذائي، وانتشار الأمراض، والنزوح الجماعي، فضلًا عن الإضرار بالممتلكات العامة والخاصة، والخسائر الاقتصادية الباهظة، التي عادةً لا تتحملها ميزانيات كثير من الدول في المناطق الفقيرة.

أما الأهداف التفصيلية للمنظومة المقترحة لإدارة الكوارث البيئية، فتتمثل في إعداد الإستراتيجيات والخطط التنفيذية وسيناريوهات إدارة الأزمات المحتملة، وتأسيس آلية معلوماتية تكنولوجية، ونظام للإنذار المبكر، ووضع برامج متخصصة للتدريب وبناء القدرات، وتوطيد العلاقات مع الهيئات والمنظمات الإقليمية والدولية المعنية، ورفع الوعي المجتمعي للتعامل مع الكوارث المترتبة على الظواهر البيئية.

واستعرض رئيس قطاع إدارة الأزمات، خلال تقديم ملامح المبادرة، بعض الإمكانيات المصرية التي يمكن توظيفها لدعم الدول الأفريقية في مجال توفير آلية الإنذار المبكر ضد المخاطر المتعددة لنوبات الطقس المتطرف وتغير المناخ، وتتضمن 110 محطات سطحية، و6 محطات في طبقات الجو العليا، و4 محطات أوزون، و11 محطة إشعاع، و25 محطة أرصاد زراعية، و5 محطات لرصد التلوث.

عرقلة استثمارات التنمية المستدامة

أنيميش كومار، مدير المكتب الإقليمي للأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث لمنطقة أفريقيا، قال في تصريحات لـ«للعلم»: إن المبادرة تدعم الجهود الرامية إلى تعزيز مرونة الدول الأفريقية ودعم قدرتها على الصمود في مواجهة ما يمكن أن تتعرض له من تداعيات ناجمة عن أزمات بيئية.

وأضاف المسؤول الأممي أن الكوارث ذات البُعد البيئي تضرب بشدة في أنحاء العالم، وقد ينجم عنها خسائر في الأرواح، فضلًا عن حدوث اضطرابات اجتماعية واقتصادية، وعادةً ما تتسبب الكوارث المفاجئة في نزوح ملايين الأشخاص من أماكن معيشتهم سنويًّا، بما يؤثر على الاستثمار في خطط التنمية المستدامة.

وأوضح «كومار» أن التقنيات الخاصة بنظم الإنذار المبكر تتطور بسرعة كبيرة، سواء من ناحية تقييم المخاطر طويل الأجل، أو من ناحية فترة الإعلام بشأن المخاطر المحتملة عن حدث معين، مثل فيضانات الأنهار، أو موجات الجفاف الحادة، أو العواصف والأعاصير، مشيرًا إلى أن تحسين نظم الإنذار المبكر يساعد في تعزيز تقييم المخاطر، والتأهب بشكل أفضل للتعامل مع المخاطر المحتملة.

الكوكب يتجه إلى مزيد من الاحترار

ويُعَد نظام الإنذار المبكر منظومةً متكاملة لرصد الأخطار والتنبؤ بها وتوقعها، وتقييم مخاطر الكوارث، ونظم وعمليات أنشطة الاتصالات والاستعداد، التي تمكِّن الأفراد والمجتمعات المحلية والحكومات والأعمال التجارية والجهات الأخرى من اتخاذ الإجراءات في الوقت المناسب، للحد من مخاطر الكوارث قبل وقوع الأحداث الخطيرة.

وكان تقرير«حالة الخدمات المناخية لعام 2020: الانتقال من الإنذارات المبكرة إلى العمل المبكر» قد تضمَّن 16 دراسة حالة مختلفة توضح دور نظم الإنذار المبكر في الحد من المخاطر المرتبطة بالتغيرات المناخية، التي تتضمن الأعاصير المدارية، والفيضانات، وموجات الحر والجفاف، وحرائق الغابات، والعواصف الرملية والترابية، والجراد الصحراوي، والشتاء القارس، وتفجُّر البحيرات الجليدية.

وأظهر تقرير اللجنة العالمية المعنية بالتكيف لعام 2019، والذي جاء بعنوان «فلنتكيف الآن»، أن عائدات نظم الإنذار المبكر تعادل عشرة أضعاف نفقاتها، وفي مثال على ذلك، أشار التقرير إلى أنه في حالة إنفاق مبلغ 800 مليون دولار للاستثمار في نظم الإنذار المبكر بالدول النامية، يمكن أن يؤدي ذلك إلى تجنب خسائر هائلة، تتراوح بين 3 مليارات و16 مليار دولار سنويًّا.

كما لفت التقرير إلى أن الإنذار المبكر بحدوث عاصفة أو موجة حر شديدة، قبل 24 ساعة من حدوثها، يمكن أن يقلل الأضرار الناجمة عنها بنسبة تصل إلى 30%، وكذلك إذا ما قام المزيد من المزارع بتطبيق نظم الإنذار المبكر بشأن الطقس، واستخدام أنواع جديدة من المحاصيل، فإن ذلك سيساعد على تجنُّب انخفاض المحاصيل الزراعية على مستوى العالم بنسبة تصل إلى 30% سنويًّا بحلول عام 2050.

وأظهر تقرير سابق نشره موقع «للعلم» بعنوان «الإنذار المبكر.. بارقة أمل للتكيُّف مع التغيرات المناخية»، أن قطاعات الموارد المائية والري والزراعة وحماية المناطق الساحلية هي الأكثر تعرُّضًا للتداعيات الناجمة عن التغيرات المناخية، في الوقت الذي كانت تعمل فيه عدة مشروعات على دعم نظم الإنذار المبكر لمواجهة المخاطر المناخية المحتملة في هذه القطاعات.

من ضمن تلك المشروعات مشروع «تعزيز مرونة نظم الأمن الغذائي»، الذي عمل على تقديم مساعدات للمزارعين من أجل التعامُل مع الظواهر المناخية المفاجئة عبر عدة آليات، منها إنشاء تطبيق لإنذار المستفيدين مبكرًا بالظواهر المتوقعة، والإرشادات اللازمة للتعامل معها، ومشروع الاستثمارات الزراعية المستدامة «سيل»، لمساعدة المزارعين على التكيف مع التغيرات المناخية.

وتبرز تهديدات التغيرات المناخية على المستوى العالمي، من خلال الأحداث المتطرفة التي تشهدها مناطق مختلفة من العالم، وتتمثل في موجات البرد الشديد، أو ارتفاع درجات الحرارة إلى معدلات غير مسبوقة، وكذلك موجات الجفاف التي تضرب مناطق من العالم، في الوقت الذي تشهد فيه مناطق أخرى -وربما المناطق نفسها في أوقات سابقة- فيضانات جارفة.

غير أن هشام العسكري، أستاذ علوم نظم الأرض والاستشعار عن بُعد، ونائب رئيس وكالة الفضاء المصرية، والذي كان أحد المتحدثين في جلسة إطلاق المبادرة المصرية، يعتبر أن «الأمر المثير هنا أنه في الوقت الذي تسجل فيه مناطق من العالم موجات برد شديدة، أو هطول أمطار غزيرة، نجد أن متوسط درجة حرارة الكوكب يواصل الارتفاع، باتجاه مزيد من الاحترار العالمي».

شارك :

Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *